المشاعر، عالم بحد ذاته.. أحب أن أسميها (لغة الكون) فكل تعاملاتنا وكل أهدافنا تنبع منها وكل حركاتنا تصدر عنها، فمثلاً نحن نعمل ونبني المساكن بحثاً عن شعور الأمان، ويُنجب الأطفال رغبة في الشعور بالأمومة والأبوة، وأحياناً من شعور نقص لإثبات الأهمية! حتى أن العلاقات بمختلف أنواعها، تدور حول المشاعر كالحب والمشاركة وغيرها.
اعتاد الناس على الهرب من الاعتراف بمشاعرهم -المنخفضة غالباً- لأسباب عدة، فتارة يتهمونها بالضعف، وأحياناً بعدم القيمة أو التفاهة، وهناك من يستهزيء بها ويتشمت بمن يظهرها وكأنها وصمة عار، وكل هذه التصرفات وما يتفرع منها تنافي كون المشاعر جزء من الإنسانية، مع أنها جزء من الطبيعة، نراها بوضوح حتى في عالم الحيوان! والسر يكمن في أن الناس لم يتعلموا كيفية التعامل معها، فيخشون مواجهتها، ويتهربون من عيش تفاصيلها وفهم سببها. أما تركها أن تكون كما خلقت لتكون، فهو احتمال غير وارد بالعادة عند بني البشر، وهذا نتاج توارث أجيال، وليس أمراً وليداً لجيلنا وحسب، فمن كان قبلنا لم يعي أهميتها أو يعرف كيف يتعامل معها ليورثنا هذه الحكمة.
المشاعر مهمة حقاً، فهي محركنا في الحياة، لكن وللأسف، تعاملنا معها لم يرق لأهميتها، وجهلنا بها جعلنا نسلك الطريق لتسكينها وربما تخديرها!
كيف؟
راقب نفسك ومن حولك في الحياة، ستجد من يهرب من حزنه بدلاً من أن يعيشه، إما بالعمل أو الانشغال بلعبة فيديو مثلاً، وقد تجد النقيض كمن تعيش دور ملك التراجيديا، لأنه لاحظ تعاطف الآخرين، فاستغل مشاعره على مستوى المادة أو الوقت أو غيره، ليتكسب من وضعه بدلاً من حل مشكلاته، باعتراف منه أو بدون، وغيره يتجاهل ألمه كأنه (لا شيء)، لأنه يظن بأن ما ينغزه ما هو إلا معول سيتلف حياته، أو أنه ربط شعوره كنقيض للرجولة فارتبك كانسان!
كل هذه التصرفات وغيرها طائشة، ولا مسؤولة، وتنفي المعرفة بالمشاعر، وقد تنفي وجودها بالكامل، وتثبت تأخرنا في عالمها، وهذا من قلة الوعي وعدم عيش الحياة.
المشاعر عالم مختلف عن العوالم الملموسة، عالم لا منطقي، فلا يحتكم للعقل لأنه لا يفهمها، ولا يُرى بالعين، وهذا مما يصعب التحكم بها، ومن هنا علينا أن نفهم بأن لها قوانينها وطبيعتها، وأن علينا أن نتجنب منطقتها لأنها لا تمشي بقوانين العقل، ومهمتنا أن نسعى لفهمها والتعلم عنها والتواصل معها بطريقتها، لا بطريقتنا القديمة والتي لم تنفعنا على الأغلب. هدفنا من هذه المعرفة أن نبني حياة كريمة، نظيفة من تراكمات مشاعر الماضي المنخفضة، ونصنع بمساعدتها ذكريات غنية بمشاعر عالية تليق بحياة نحبها.